لقد صرح الرسول الأعظم (صلى الله
عليه وآله) بأن هذه الأمة ستتبع الأمم السالفة في طغيانها وعتوها،
حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة (1).
فقد غاب إدريس ، وصالح ،
وإبراهيم ويوسف (عليهما السلام) واضطر الفراعنة موسى منه إلى الهرب
(وفررت منكم لما خفتكم) (2) ورفع الله عيسى (عليه السلام) لما أراد
بنو إسرائيل قتله (بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً) (۳)
واضطرت قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى حصار الشعب ثلاث
سنين ، حجب فيها عن المسلمين ، وإذا كان المسلم لا يستطيع القدح في
صنع هؤلاء المرسلين ، ويراه متمحضـاً عن مصلحة وامتثالا لإرادة منه
تعالى صدرت فيتبين أن الإمام المهدي (عليه السلام) كحالهم صلوات
الله عليهم ، وظروفه كظروفهم ، وما كان طلب الفراعنة لهؤلاء
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بأكثر من طلب المعتمد العباسي للإمام
المهدي (عليه السلام)، والتفتيش عنه وحبس النساء عله أن يولد من
بعضهن .
وقد يرد علينا : أن ذلك عصر مضى ، وذهبت الدولة العباسية منذ حين ، وأن شدتهم كانت لعلمهم أن التاسع من ولد الحسين محد يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجـوراً ، وقد رووا ذلـك عن النبي (صلى الله عليه واله) فخافوا على ملكهم ، وأن ينزع عنهم سلطانهم . فما يمنعـه من الظهور بعد ذلك ؟ .
ونحن إذا اعتقـدنـا بـوجـوده (عليه الصلاة والسلام) وغيبته لا يهمنـا معـرفـة سبب . إبطائه.
وهذا هو شأننا في كل أمور الدين ، فنحن نعرف أن الله جل شأنه كلفنا بالفرائض اليومية ، في أوقات معينة ، وبركعات محددة . أما سر التكليف ، والغـايـة منـه ، والسبب الذي جعل من أجله للفجـر ركعتان ، وللظهر أربع ، وللمغرب ثلاث ليس معرفة هذا وشبهـه من صميم الدين ، ولا يتوقف لأجله اعتقاد . على أننا يمكن أن نذكر أسباباً ووجوها لهذا الإبطاء كتعليل قد يقرب من الواقع وقد يبتعد:
1 ـ وليس هناك من تعليل أحسن من القول : بأن إشاءته جل شأنه . اقتضت ، ومصلحته أرادت ، ولا راد لقضائه ، ولا مغير لحكمه.
٢ ـ وليس أفول نجم الدولة العباسية مبرراً لظهوره ، فالحكام الذين جاؤوا من بعدهم أسوأ منهم وكلما دخلت أمة لعنت أختها) (4).
ومـا أقـسى الحاكم ـ مهما كان عدله ورأفتـه ـ على من يسعى في إزالة دولته ، ويريد نسف سلطنته.
3 ـ وقد يهون الأمـر لـو كـانت دولتـه (عليه السلام) كـالـدول، وحـكـومـتـه كالحكومات. على إقليم من الأقاليم، أو في بقعة من البقاع، أو في قطر من الأقطار . . . ولكن كيف السـبيـل وعـدلـه يجب أن يشمـل المعمورة، وقسطه يملأ الأرض، وتزول الأوثان والأديان، ولا يبقى إلا الإسلام (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (5) فإذن لا بد من التمهيد لذلك، والاستعداد له ، وانتظار الفرصة المناسبة لهذه الثورة الإلهية الكبرى .
*حياة أولي النهى (الإمام المنتظر أمل المعصومين الأطهار (عليهم السلام)، الشيخ محمد رضا الحكيمي، ص٥٤٦-549، نقلاً عن موقع الحجة بن الحسن المهدي
الهوامش:
(۱) البحار 70/13 المجالس السنية، 5/٥٥٣.
(2) سورة الشعراء؛ الآية : ٢١ .
(3) سورة النساء؛ الآية : 158 .
(4) سورة الأعراف؛ الآية: 38.
(5) سورة التوبة؛ الآية: 33.