المرأة المسلمة حقوقها ومسؤوليتها وحجابها
إنّ العقل الراشد والضمير النابض والفطرة السليمة تشهد أنّ الرجل والمرأة في هذه الحياة شقيقان وصنوان، فهما في الإنسانية سواء، فكل منهما جهز بالعقل المفكر والضمير الأخلاقي والنزوع إلى الحكمة والاختيار الحر، ولكل منهما من الحقوق الحرمات والمسؤوليات العامة الملائمة لذلك مثل ما على الآخر ولكن العقل يدرك أيضاً بالبداهة أنّهما رغم هذا الاشتراك مجهزان على وجه متفاوت بجملة من الخصائص الجسمية والاستعدادات النفسية المختلفة ليكمل بعضهما بعضاً في أداء الدور المختلف الملائم لكل منهما في هذه الحياة.
ولذلك كان لكل منهما بجنب تلك الحقوق والمسؤوليات العامة استحقاقات ومسؤوليات خاصة يختلف بها أحدهما عن الآخر.
فمنها حقوق تختص بها المرأة، وتكون مسؤولية الرجل أداءها والإيفاء بها، كحقها في دفاع الرجل عنها وبذل النفس والنفيس في سبيل كرامتها وأمنها، وحقها في تكريمها بالمهر عند الزواج منها، وحقها في الإنفاق عليها من قبل زوجها وتعبه على راحتها وسعادتها، وحقها المؤكد في النصح لها فيما أنيط من أمرها بذويها كأبيها مثل زواجها، وحقها الخاص فيما تستوجبه خصوصياتها في المعاشرة بالمعروف معها.
كما أنّ هناك حقوقاً للرجل بجانب مسؤوليته تجاه المرأة ينبغي على المرأة أن تفي بها بالمعروف وحسن الأداء مما يرجع إلى شؤون الأسرة وسائر شؤون الحياة.
ومسؤولية المرأة في هذه الحياة كبيرة من جهة أهمية أدوارها، فالمرأة بجنب الأدوار العامة المتماثلة مع الرجل في التعليم والتربية العامة والقيام بالوظائف الإنسانية كالطبابة والتمريض ولا سيما بالنسبة إلى النساء تتميز بأنّها مصنع الإنسان وحاضنته الأولى ومربية الأجيال وعماد الأسرة ومرتكز الرجال، وقد ميزت بما يعينها على ذلك بالعواطف الجياشة والذوق الجميل والجاذبية المميزة والحياء الواقي والرقة المناسبة، والقدرة الفائقة على التأثير في بنات صنفها.
ولا ينبغي أن ينظر الرجل ولا المرأة نفسها إلى تلك الأدوار والمسؤوليات الخاصة التي تقوم بها المرأة بعين الاحتقار بالمقارنة مع أدوار اقتصادية أو اجتماعية أخرى فيؤدي ذلك إلى تغيير أولوياتها وسعيها إلى التخلي عن الاهتمامات المنوطة بها وتختل القواعد التي بنيت الحياة عليها، كلّا، فدور المرأة في أداء تلك الأدوار عند التزاحم لهو أهم وأعمق وأحمد لها ولذريتها التي هي امتداد لها بل هي جزء منها، وأنّ المرأة المربية في البيت لها عاملة من عمال الله سبحانه ومجاهدة في سبيل الله سبحانه، مشاركة للرجل في كل ما كانت ظهراً له فيه من عمل صالح من جهاد وإنفاق وصلة وإحسان.
وحجاب المرأة هو الآخر وظيفية فطرية وشرعية أساسية في استقامة الحياة وركن مهم من أركانها، فتكشّف المرأة عن مفاتنها وظهورها بمظهر الإغراء مظنةٌ - بحسب نواميس الحياة وسننها - لافتتانها والافتتان بها بما لم تقدره في بادي نظرها، مما يؤدي إلى كثرة الفواحش وسقوط الأخلاق واختلال الأسرة وضياع الأنساب وإسقاط الأجنة وتشرد الأطفال. والمرأة المحتشمة الوقورة في تصرفاتها الحافظة لمكانتها المتمسكة بكبريائها المترفعة عن أن يُظن بها إغراء الآخرين بها لهي أشبه بملك يمشي على الأرض من بين الناس.
وهي أسوة صالحة وداعية صامتة، لم يتأثر أحد بها إلا كُتب مثل ثوابه لها.
وأنّ المرأة المؤمنة لتجد في نور فطرتها وحوادث الحياة من حولها وبصائر ربها دليلاً على السبيل المستقيم والطريق الآمن والعاقبة المحمودة، وقد قال الله سبحانه: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] (النحل: ٩٧).